الرقاة
العلاج بالقرآن الكريم وسائر الرقى الشرعية مشروع، أمر الله تعالى به، فاستشفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من سائر الأدواء، حتى السحر، فإنه لما سحر عليه الصلاة والسلام رقى نفسه بالمعوذات، حتى برأ، بل الرقية علاج نافع من السم القاتل الذي يدخل البدن عن طريق لدغة العقرب ونحوها، وذلك معروف من الشرع، مجرب في العادة.
والناس في كل زمان ومكان بحاجة ماسة إلى هذا النوع من العلاج، حتى مع تقدم الطب، كما في هذا الزمن، فإن الرقية لها تأثير واضح، إذ هي شفاء للأمراض المعروفة وغير المعروفة، للأمراض البدنية، والأمراض النفسية.
وقد حدث عثمان ابن أبي العاص أن به وجعاً قد كاد يهلكه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امسح بيمينك سبع مرات، وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد» قال عثمان: «ففعلت هذا، فأذهب الله ما كان في، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم», أخرجه الترمذي وصححه.
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في وجه جارية أم سلمة صفرة، فقال: «إنها نظرة، استرقوا لها» متفق عليه، وقوله: «نظرة» أي: عين.
ومن المعلوم أن الرقية يقوم بها كل أحد، والأفضل أن يرقي الإنسان نفسه، فلا يقل: أني غير منتفع بالرقية! إذا رقيت نفسي، بل رُقيته لنفسه أفضل وأنجع، لأن صدقه حال قراءته على نفسه أبلغ من صدق غيره معه، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي نفسه، بل جعل طلب الرقية من آخر فيه ضعف توكل، لكن جوَّز صلى الله عليه وسلم أن يرقي الإنسان غيره بطلبه، فإن عليه الصلاة والسلام لما نهى عن الرقى، جاءه آل عمرو بن حزم، فقالوا: يا رسول الله، إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، فانك نهيت عن الرقى، فعرضوها عليه. فقال: «ما أرى بها بأساً، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل», أخرجه مسلم.
وقد اهتم المسلمون بهذا العلاج، استجابة لله تعالى، وثقة به جل جلاله:
فقد كان من الصحابة من عُرف بالرقية كأبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي رقى بفاتحة الكتاب سيد الحي من العرب الذين مروا بهم، وفي بعض ألفاظ الحديث «نعم وإني لأرقي» وكآل عمرو بن الحزم الذين كان عندهم رقية للدغ العقرب.
ولم يكن المسلمون يتحرجون في إعطاء الراقي شيئاً من المال، سواء شرط الراقي أو لم يشرط شيئاً، قال الإمام البخاري في كتاب الاجارة باب ما يعطي في الرقية على احياء العرب بفاتحة الكتاب، وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله«.. ثم ساق البخاري حديث أبي سعيد الخدري، وفيه أن أحد الصحابة ـ وهو أبو سعيد الخدري ـ قال للحي الذين لدغ سيدهم: فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبة. قال: فأوفوهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له ذلك، فقال: وما يدريك أنها رقية؟ ثم قال: قد أصبتم.. اقسموا واضربوا لي معكم سهما.. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم».
والرقاة الشرعيون أمان بإذن الله تعالى من فشو السحر والسحرة، وانتشار المشعوذين، ذلك بأن ضعاف الدين من المرضى إذا لم يجدوا من يرقيهم بالقرآن، اتجهوا إلى أهل الشعوذة، فوقعوا في الشر المرير، وعرضوا عقيدتهم للفساد، واسلموا أنفسهم للدجالين يأكلون أموالهم، ويفسدون عليهم دينهم، ويضرونهم ولا ينفعونهم، ومن تأمل فيما عليه كثير من الناس المبتلين، باللجوء إلى السحرة والمشعوذين رأى عجباً: منهم من يسافر خارج البلاد ليلتقي بواحد منهم، فيدفع أموالاً طائلة لقاء ضعف دينه أو قد يخرج من الدين بسبب ذلك، ومنهم من يدفع أموالاً طائلة حتى يأتي الساحر إليه في بلاده، فلا يقتصر على افساد عقيدته، بل يتعدى إلى غيره، ظناً أنه يحسن إليهم.. وهكذا.
فالواجب الحذر الشديد من ذلك، يقول عليه الصلاة والسلام: «من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم», رواه أبو داود.
وفي المقابل يتأكد أن يفتح الباب أمام من يوثق بدينه وعقيدته ليقوم بالرقية الشرعية، ويكون أمر ذلك لأهل العلم، فيأذنوا لمن رأوه أهلاً، ويمنعوا من ليس كذلك.
القائمة البريدية

Twitter

Facebook

Youtube